أحداث من التاريخ وراء نعت الحاحيون بأوصاف الإنحراف الأخلاقي:قدمت بطاقة تعريفي الوطنية لمستخدم باحدى البنوك بمدينة كلميم،وتفحص عنواني الشخصي مبتسما بدون اذن ولا احترام للخصوصية،فقد كنت بصدد أن أقدم شكاية الى رئيسه المباشر لما قام به من سلوك استفزازي،وتراجعت عن ذلك،وقال لي بعدها:هل أنت حيحي؟ أجبته بنعم،واكتفيت في الأخير بأسلوب الحوار لأقنعه بسر هذه الحكاية الأسطورية وجذور هذه الإشاعات الكاذبة،التي لاحقت إحاحان قرون وقرون.
تنتمي كونفدرالية قبائل احاحان الى الفرع المصمودي بالأطلس الكبير،وتحدتث عنها المصادر الإخبارية الوسيطية والحديثة بكونها قبائل أمازيغية لها تاريخ عريق الى جانب قبائل الأطلس الكبير،فذكرها أبي القاسم الزياني على كونها مملكة مصمودية قديمة،وخص لها ابن خلدون وصفا دقيقا لعاداتها وتقاليدها العريقة وعلاقتها بشجر الأركان،بينما ذكر الحسن الوزان مدنها التجارية الكبرى،التي يفوق تاريخها تاريخ مدينة فاس.
ما يلصق للحاحيين من عبارات:نبدر ربي اور نبدر احاحان - احاحان حاشاك - يعاشرون بعضهم البعض كما ذكر أحمد كروم في روايته(ننتظر متابعته قضائيا) - نكثة الحافلة - احيحي مول الطاكية....كلها تمثلات لها أبعاد تاريخية وسوسيولوجية في رصد علاقة هذه القبائل سواء مع المخزن أو مع قبائل سوس،وسأحاول تفكيك هذه العلاقة من خلال أحداث تاريخية مؤثرة،فهي التي ولدت لنا هذا الحقد الدفين تجاه قبائل انجبت مفكرين وأمراء، من طينة يحي الحاحي وسيدي سعيد أوعبد النعيم،وعبد السلام ياسين،وأبي البركات العبدري،والممثل العالمي الشهير سعيد التغماوي...
وما يروج له فهو انتقام رمزي وتشويه لحقائق التاريخ،حتى تبقى صورة هذه القبائل ملتصقة بالإنحراف الأخلاقي،وسأفصل فيما يلي أهم المحطات التاريخية لهذه القبائل حتى أربط بين تاريخها وما يلصق لها من أوصاف لا أخلاقية.
1- صفحات من تاريخ مملكة احاحان القديمة:
يعود تاريخ هذه المملكة الى مرحلة ما قبل الإسلام،حيث كانت قبائل امصمودن تنتظم في إطار ممالك أمازيغية مستقلة،ولم يعرف عن التاريخ الحقيقي لهذه الممالك،ولكن الأرجح أن نظام اكلدان كان نظاما سياسيا قائما باحاحان،وكانت عاصمتها هي تاصورت تقديمت الموقع الحالي لمعمل قصب السكر باداوكرض.
2- الحاحيون وبناء الدولتين الموحدية والسعدية:
انخرطت القبائل الحاحية في بناء الدولتين الموحدية والسعدية،ويعود لها الفضل في الإنخراط مع الحركة السياسية لهاتين الدولتين،ولا يمكن نسيان دور الأمير يحي الحاحي في تثبيت ركائز الدولة السعدية ومواجهته لثورة أبي محلى بمراكش.
3- قبائل احاحان ومبايعة السلطان الحسن الأول:
تشير المصادر الرسمية أن الحاحيون بايعوا السلطان الحسن الأول بعد وفاة أبيه سنة 1873م،وبالعودة الى التاريخ الشفهي،فهي تشكك في الرواية الرسمية،فبعد وفاة القائد الحاج عبد الله أبيهي،الذي طمح الى تأسيس إمارة بالجنوب مع أمير تزروالت بسوس،وأعلن الحاحيون ثورتهم على المخزن،ونظم الحسن الأول حركات لتأذيب القبائل،ولما توفي والده سنة 1873م،رفض الحاحيون مبايعته بأبي ريقي بقبيلة انكنافن.
4-معارضة القائدين أنفلوس والكيلولي لمعاهدة الحماية الفرنسية:
رفض القائدين الشجاعين بنود معاهدة الحماية الفرنسية على المغرب،وقد أمرتهم السلطات المخزنية بضرورة مساعدة جيوش الاحتلال الفرنسي على تهدئة القبائل،ورفضوا هذا المقترح،وانخرطوا في حركة المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي،وهو موقف سجل في ذاكرة المغرب،رغم اتهامهم بالخيانة.
5- احاحان منبع رجالات العلم والمعرفة ومعارضي السلطة:
ظلت القبائل الحاحية منبعا لرجالات العلم والمعرفة على غرار قبائل الأطلس الكبير الغربي،كما أنجبت معارضين للسلطة المخزنية،فالداعية عبد السلام ياسين ابن قبيلة أيت زلطن ينتسب الى أسرة الحاج عبد الله أبيهي الحاحي،الذي تم اغتياله في أواخر القرن 19م،ويستشهد بهذا الحدث لاضفاء الشرعية على حركته السياسية والدينية.
ترعرع الرحالة الشهير سيدي بولبركات العبدري في قبيلة اداوسارن،ويعتبر من أوائل الرحالة المغاربة لللذين جابوا مناطق عديدة من العالم الافريقي والآسيوي.
افرزت الظروف المأساوية للمنطقة أطرا عليا في الدولة،فنجد دكاترة ومهندسين مرموقين،بل اثنين من مدراء أكاديمية التعليم بالمغرب،وعضو من المجلس الدستوري بالرباط،وقضاة بالمجلس الأعلى وكتاب وخبراء لدى منظمة الأمم المتحدة...
إن ما يروج من أحكام مسبقة ووصف قبائل احاحان بأوصاف لا أخلاقية،إنما هو انتقام وحقد دفين ضد هذه القبائل،فأخواننا السوسيون يسخرون منا بأساليب هزلية،ونسوا أن قيادات حاحية هي من تحكم سوس خلال القرن 19م،وأن ما يروجونه من أقاويل وأكاذيب، انما هو ارث تاريخي راجع الى الصراعات القبلية القديمة،التي ألقت بظلالها على نعث قبائل احاحان بأوصاف سلبية،لا تليق بتاريخها المجيد ورجالاتها المعارضين للسلطة،فثقل الأحداث التاريخية سببت لنا جراحا للتهميش والهشاشة،لم يعد معه الحاحي يعترف حتى بانتماءه الجغرافي،فهذا هو مبتغاهم،لكي يتم محو هذه الذاكرة المجيدة.
محمد أبيهي
تنتمي كونفدرالية قبائل احاحان الى الفرع المصمودي بالأطلس الكبير،وتحدتث عنها المصادر الإخبارية الوسيطية والحديثة بكونها قبائل أمازيغية لها تاريخ عريق الى جانب قبائل الأطلس الكبير،فذكرها أبي القاسم الزياني على كونها مملكة مصمودية قديمة،وخص لها ابن خلدون وصفا دقيقا لعاداتها وتقاليدها العريقة وعلاقتها بشجر الأركان،بينما ذكر الحسن الوزان مدنها التجارية الكبرى،التي يفوق تاريخها تاريخ مدينة فاس.
ما يلصق للحاحيين من عبارات:نبدر ربي اور نبدر احاحان - احاحان حاشاك - يعاشرون بعضهم البعض كما ذكر أحمد كروم في روايته(ننتظر متابعته قضائيا) - نكثة الحافلة - احيحي مول الطاكية....كلها تمثلات لها أبعاد تاريخية وسوسيولوجية في رصد علاقة هذه القبائل سواء مع المخزن أو مع قبائل سوس،وسأحاول تفكيك هذه العلاقة من خلال أحداث تاريخية مؤثرة،فهي التي ولدت لنا هذا الحقد الدفين تجاه قبائل انجبت مفكرين وأمراء، من طينة يحي الحاحي وسيدي سعيد أوعبد النعيم،وعبد السلام ياسين،وأبي البركات العبدري،والممثل العالمي الشهير سعيد التغماوي...
وما يروج له فهو انتقام رمزي وتشويه لحقائق التاريخ،حتى تبقى صورة هذه القبائل ملتصقة بالإنحراف الأخلاقي،وسأفصل فيما يلي أهم المحطات التاريخية لهذه القبائل حتى أربط بين تاريخها وما يلصق لها من أوصاف لا أخلاقية.
1- صفحات من تاريخ مملكة احاحان القديمة:
يعود تاريخ هذه المملكة الى مرحلة ما قبل الإسلام،حيث كانت قبائل امصمودن تنتظم في إطار ممالك أمازيغية مستقلة،ولم يعرف عن التاريخ الحقيقي لهذه الممالك،ولكن الأرجح أن نظام اكلدان كان نظاما سياسيا قائما باحاحان،وكانت عاصمتها هي تاصورت تقديمت الموقع الحالي لمعمل قصب السكر باداوكرض.
2- الحاحيون وبناء الدولتين الموحدية والسعدية:
انخرطت القبائل الحاحية في بناء الدولتين الموحدية والسعدية،ويعود لها الفضل في الإنخراط مع الحركة السياسية لهاتين الدولتين،ولا يمكن نسيان دور الأمير يحي الحاحي في تثبيت ركائز الدولة السعدية ومواجهته لثورة أبي محلى بمراكش.
3- قبائل احاحان ومبايعة السلطان الحسن الأول:
تشير المصادر الرسمية أن الحاحيون بايعوا السلطان الحسن الأول بعد وفاة أبيه سنة 1873م،وبالعودة الى التاريخ الشفهي،فهي تشكك في الرواية الرسمية،فبعد وفاة القائد الحاج عبد الله أبيهي،الذي طمح الى تأسيس إمارة بالجنوب مع أمير تزروالت بسوس،وأعلن الحاحيون ثورتهم على المخزن،ونظم الحسن الأول حركات لتأذيب القبائل،ولما توفي والده سنة 1873م،رفض الحاحيون مبايعته بأبي ريقي بقبيلة انكنافن.
4-معارضة القائدين أنفلوس والكيلولي لمعاهدة الحماية الفرنسية:
رفض القائدين الشجاعين بنود معاهدة الحماية الفرنسية على المغرب،وقد أمرتهم السلطات المخزنية بضرورة مساعدة جيوش الاحتلال الفرنسي على تهدئة القبائل،ورفضوا هذا المقترح،وانخرطوا في حركة المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي،وهو موقف سجل في ذاكرة المغرب،رغم اتهامهم بالخيانة.
5- احاحان منبع رجالات العلم والمعرفة ومعارضي السلطة:
ظلت القبائل الحاحية منبعا لرجالات العلم والمعرفة على غرار قبائل الأطلس الكبير الغربي،كما أنجبت معارضين للسلطة المخزنية،فالداعية عبد السلام ياسين ابن قبيلة أيت زلطن ينتسب الى أسرة الحاج عبد الله أبيهي الحاحي،الذي تم اغتياله في أواخر القرن 19م،ويستشهد بهذا الحدث لاضفاء الشرعية على حركته السياسية والدينية.
ترعرع الرحالة الشهير سيدي بولبركات العبدري في قبيلة اداوسارن،ويعتبر من أوائل الرحالة المغاربة لللذين جابوا مناطق عديدة من العالم الافريقي والآسيوي.
افرزت الظروف المأساوية للمنطقة أطرا عليا في الدولة،فنجد دكاترة ومهندسين مرموقين،بل اثنين من مدراء أكاديمية التعليم بالمغرب،وعضو من المجلس الدستوري بالرباط،وقضاة بالمجلس الأعلى وكتاب وخبراء لدى منظمة الأمم المتحدة...
إن ما يروج من أحكام مسبقة ووصف قبائل احاحان بأوصاف لا أخلاقية،إنما هو انتقام وحقد دفين ضد هذه القبائل،فأخواننا السوسيون يسخرون منا بأساليب هزلية،ونسوا أن قيادات حاحية هي من تحكم سوس خلال القرن 19م،وأن ما يروجونه من أقاويل وأكاذيب، انما هو ارث تاريخي راجع الى الصراعات القبلية القديمة،التي ألقت بظلالها على نعث قبائل احاحان بأوصاف سلبية،لا تليق بتاريخها المجيد ورجالاتها المعارضين للسلطة،فثقل الأحداث التاريخية سببت لنا جراحا للتهميش والهشاشة،لم يعد معه الحاحي يعترف حتى بانتماءه الجغرافي،فهذا هو مبتغاهم،لكي يتم محو هذه الذاكرة المجيدة.
محمد أبيهي